يُواصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس تكريس مُقوّمات الدولة الفلسطينية، ومُراكمة المُكتسبات على الصُعُد الداخلية والدولية، غير رابطٍ ذلك باستحقاقات الكيان الإسرائيلي، الذي كان يتذرّع دائماً بالانقسام الفلسطيني، استغلالاً للهروب من الالتزام بالمواثيق والمُعاهدات.
يُدرك الرئيس "أبو مازن" أنّ هذه المُكتسبات هي مسيرة نضالية طويلة ومُتواصلة في ميادين مُتعدّدة، مع اقتراب الاحتفال بالذكرى الـ31 لإعلان الرئيس ياسر عرفات، الاستقلال الفلسطيني في الجزائر (15 تشرين الثاني 1988)، والذكرى الـ15 لاستشهاد الرئيس "أبو عمّار" (11 تشرين الثاني 2004)، وانتزاع الرئيس "أبو مازن" اعتراف العالم بالدولة الفلسطينية وتكريسه في الأُمم المُتحدة - وإنْ بصفة مُراقب - (29 تشرين الثاني 2012)، بعدما كان الرئيس "أبو عمّار" قد حقّق انتصاراً بحصول "مُنظّمة التحرير الفلسطينية" على مقعد مُراقِب (13 تشرين الثاني 1974).
وجاءت مُبادرة الرئيس "أبو مازن" بالإعلان عن إجراء الانتخابات الفلسطينية العامة، الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، في كلمته التي ألقاها من على أعلى منبر دولي خلال الدورة الـ74 للجمعية العامة للأُمم المُتّحدة (26 أيلول 2019)، وبعدها تكليف رئيس لجنة الانتخابات المركزية حنا ناصر، التحضير لهذا الإنجاز، حيث أثمرت لقاءاته بين الضفّة الغربية وقطاع غزّة نتائج إيجابية.
هذا في وقت، يُمر به الكيان الإسرائيلي، بمرحلة إرباك دقيقة، جرّاء الفشل بتشكيل الحكومة، وهو ما ينسحب على الرئيس المُكلّف بتشكيلها بيني غانتس، والذي سبقه بالفشل رئيس حكومة تصريف الأعمال بنيامين نتنياهو مرّتين، ما يدفع إلى انتخابات عامّة ثالثة.
ويرى مراقبون أنّ شن الاحتلال هجوماً على قطاع غزّة، قد يضع الجميع أمام الاضطرار للجوء إلى "حكومة طوارئ أمنية" لمُواجهة الوضع، في وقت فإنّ نتنياهو له حسابات أخرى أيضاً مُختلفة، منها المُفاوضات غير المُباشرة الجارية مع حركة "حماس" بشأن الجنود الأسرى لديها.
هذا، واستقبل الرئيس عباس أمس، رئيس لجنة الانتخابات المركزية ناصر، في مقر الرئاسة بمدينة رام الله، بحضور: نائب رئيس حركة "فتح" محمود العالول، أمين سر اللجنة التنفيذية لـ"مُنظّمة التحرير الفلسطينية" الدكتور صائب عريقات، رئيس الوزراء الدكتور محمد اشتيه، رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية الوزير حسين الشيخ والمُستشار القانوني للرئيس عباس، علي مهنا.
واطلع الرئس عباس من ناصر على نتائج اجتماعاته في قطاع غزّة، حيث أشار إلى "وجود تقدّم".
وشدّد الرئيس عباس على "أهمية استمرار جهود لجنة الانتخابات للوصول إلى تذليل العقبات كافّة"، مُؤكداً على "أهمية مُواصلة رئيس لجنة الانتخابات المركزية حنا ناصر لجهوده واتصالاته بهذا الشأن".
وعُلِمَ بأنّ الرئيس عباس بصدد إصدار المراسيم اللازمة بالدعوة لاجراء الانتخابات.
وإثر لقاء ناصر مُجدّداً مع رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" اسماعيل هنيّة والفصائل في القطاع، أكد هنيّة أنّ حركته "تلقّت ردّاً من الرئيس عباس بالمُوافقة على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية".
وأوضح هنية، في مؤتمر صحفي مُشترك مع ناصر، إنّنا "نُعبّر مُجدّداً عن تقديرنا العالي لهذا الجهد المُبارك الذي يستهدف الاتفاق والتوافق والترتيبات الضرورية واللازمة لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وصولاً لانتخابات المجلس الوطني".
وتابع: "هناك ضرورة لعقد لقاء وطني جامع للبحث في كل التفاصيل، وأكدنا أنّ الانتخابات يجب أنْ تكون شاملة، تشريعية، ثم رئاسية، ثم مجلس وطني"، مُشدِّداً على موقف حركته "الثابت والمُلتزم تجاه إجراء هذه الانتخابات".
وأضاف هنية: "على المُستوى الوطني العام، هناك ارتياح لدى أوساط أبناء الشعب الفلسطيني لهذه الخطوة، ولهذا الموقف الفلسطيني والفصائلي، الذي فتح الباب واسعاً أمام تحقيق مُصالحة حقيقية، وترتيب البيت الفلسطيني، والعمل بشكل مُشترك للخروج من المأزق الراهن".
ولفت إلى أنّ "الدول الشقيقة وجامعة الدول العربية، رحّبت بالخطوة التي أعلنّا عنها سابقاً، وأبدت استعدادها لتذليل أي عقبات، والمُشاركة في الرقابة على الانتخابات لضمان حريّتها ونزاهتها وسلامتها"، مُشيراً إلى أنّ "الاجتماع كان بمثابة استمرار للحوارات، واستمرار لبناء المشهد الإيجابي الذي حصل في اللقاء السابق، وتلقينا من الدكتور ناصر ردّاً من الأخ "أبو مازن"، بالمُوافقة على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وكموقف شكّل القاعدة الجامعة للموقف المُشترك الذي سنعمل عليه إنْ شاء الله".
وقال: "ناقشنا واستحضرنا الكثير من الخُطوط العامة والتفاصيل التي عرضتها الفصائل من أجل تأمين عملية انتخابية ناجحة لتنطلق الانتخابات في ظل مناخ مريح"، مُؤكداً أنّ "هناك تشديداً على ضرورة إجراء لقاء وطني جامع لبحث كل التفاصيل، التي ستعطي الفرصة لنقترب من الخطوات الفعلية لإجراء الانتخابات إلى جانب بعض الخطوط السياسية والوطنية العامة".
وشدّد هنية على أنّ "الانتخابات حق للمُواطن واستحقاق وطني، والانتخابات فرصة وتحدٍ، وهي فرصة لتحقيق المصالحة وترتيب البيت الفلسطيني، والخروج من المأزق الراهن، وتحدٍ لأننا نُريدها أن تجرى في القدس والضفة وغزة، ولا نقبل أقل من ذلك".
فيما أعلن ناصر عن أنّ "الاجتماع كان مُتميّزاً مع الفصائل و"حماس"، ونحن سائرون جميعاً نحو الانتخابات، ولا توجد مشاكل أو عقبات".
من جهته، أكد رئيس حركة "حماس" في غزة يحيى السنوار أنّ حركته "عبّرت عن موقفها بشكل واضح، كما أنّنا كنّا وسنظل إيجابيين، لأننا مُقتنعون بأنّ الانتخابات هي فرصة للخروج المأزق الحالي الذي تمر به القضية الفلسطينية، وفرصة لتحقيق الوحدة والشراكة، وأن يُعبّر شعبنا عن رأيه من خلال صندوق الانتخابات".
وأضاف السنوار في المُؤتمر الصحفي: "إنّ الانتخابات التي نتحدث عنها ستجري في الداخل، ونُؤكد ضرورة أن يكون لأهلنا بالشتات دورهم في اختيار القيادة الفلسطينية، لكننا قلنا إنّنا إيجابيون، وكنّا وسنظل جاهزين، وسنذلل كل العقبات التي من شأنها أن تقف في وجه هذا المسار".
في غضون ذلك، وصل إلى قطاع غزّة صباح أمس (الاثنين) مبعوث عملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ميلادينوف، عبر معبر بيت حانون "ايرز"، حيث التقى مسؤولين في حركة "حماس" لمناقشة مشاريع الأمم المُتحدة في القطاع وملف الانتخابات الفلسطينية.